نظرة على دور المراكز البحثية رأس حربة النظام العالمي في الحرب على الأمة!

‏المؤسسات البحثية رأس حربة النظام العالمي وأداته في تحليل وتقويم السياسات السابقة ورسم اللاحقة.

المثير أنها لا تخفي أبحاثها فيما يخص أمتنا وأوطاننا، فمثلا تقسم المسلمين إلى أصوليين وتقليديين وحداثيين وتقسم كل فئة لفئات وتوصي بضرب الأصوليين بالتقليديين ثم ضرب التقليديين بالحداثيين!

من يعتقد أن الحروب والصراعات اليوم عسكرية فقط فهو واهم!

محاولات إنشاء نظام عالمي جديد فرض صراعات فكرية وسياسية واقتصادية وعسكرية تشابكت خيوطها وتعقدت بسبب ثورة تكنولوجيا المعلومات.

إحدى أهم وسائل هذه الحرب هي “الفكرية” التي أنشئ لأجلها مئات مراكز الدراسات والمؤسسات البحثية.

‏يكفي أن نعلم أن في الولايات المتحدة أكثر من 1800 مركز بحثي منها 10 كبرى مهمتها:
تحليل وتقويم السياسات السابقة وطرح حلول وبدائل وتوجيه الرأي العام للشعوب وتقديم الدراسات للحكومات بل وتمرير السياسات من خلال أبحاثها ودراساتها في كافة المجالات (فكرية، سياسية، عسكرية، اقتصادية، صحية)

‏لعل أهمية هذه المراكز الفكرية تنبع من أن القائمين عليها قد تقلدوا مناصب رفيعة أو أنهم سياسيون وصناع قرار سابقون.

يكفي أن نعلم أن الرئيس أيزنهاور نفسه قد حذر من القوة القادمة الناجمة عن تحالف صناعي عسكري مالي سياسي فكري يمارس نفوذا غير مسبوق سيشكل خطرا على الديمقراطية الأمريكية.

النظام العالمي الجديد ليس مجرد شعار يتداوله البعض ولا نظرية مؤامرة يرددها البعض الآخر!

النظام العالمي هو الوصول لحكم العالم تحت شعار عولمة أساسها ليبرالية ديمقراطية بنظام اعتقاد يضم المؤمن والملحد (لوسيفرية) تخضع العالم لحكومة وجيش واقتصاد عالمي واحد تحت حكم الأوليغارشية المالية.

‏أول من أسس لهذا النظام هو الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، وبشر به رئيس وزراء بريطانيا تشرشل بعد الحرب العالمية الثانية، ودعمه وعمل له بوش عضو جمعية الجمجمة والعظام.

العولمة المستهدفة ليست مجرد عولمة رقمية إعلامية كما يراها البعض، بل تعني إزالة الحواجز ورفع القيود عن حركة التجارة والمال.

‏هدف العولمة النهائي هو نسف الوطنية وسيادة الدول وتوحيد الدين ليصبح مزيجا من الأديان والمعتقدات والنظريات والرموز.

تحقيق هذا الهدف احتاج لمجموعة أدوات بدءا من عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة بكل مؤسساتها وأذرعها العسكرية والسياسية والمالية والثقافية كتمرين لقدرتهم على حكم العالم.

‏من أدوات فرض العولمة وتأديب من يخرج عن الخط المرسوم حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقيام الإتحاد الأوروبي، إضافة للإتفاقيات الدولية مثل الغات ونافتا واتفاقية برايتون وودز وما أفرزته من توصيات أهمها السيطرة المالية على العالم من خلال صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي بمؤسساته الخمسة.

‏إلزام دول العالم بمنظومة مالية واحدة سمح للوبي العولمة بالسيطرة على قرار دول العالم المالي وحرمها من القدرة على التحكم بقيمة عملتها أو الخروج عن الخط المرسوم.

هذا بدوره أدى لمراقبة حركة المال للدول بل وحتى للأفراد وأصبحت العقوبات والحجز على الأموال سيفا مسلطا على رقاب الجميع.

يكاد يكون الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقف عقبة كأداء في وجه فرض نظام العولمة رغم انخراط الأنظمة العربية فيه!

لهذا فإن مراكز البحث وصنع القرار لا تتوقف عن صياغة وتعديل الإستراتيحيات، فمن أساسيات الإنتصار في أي معركة، دراسة أيديولوجيا العدو ونقاط قوته وضعفه والعمل على أساسها.

الإنتصار على عدو ما وإخضاعة دون مقاومة تكلف ثمنا باهضا يتطلب تحطيم ونسف أيديولوجيته التي تعتبر مكمن قوة أي أمة!

لفعل ذلك لابد من إحداث اختراق ما يتم بموجبه ضرب العدو من الداخل، وهذا يحتاج لاستقطاب من هو مستعد للإنخراط في هذا المخطط ترغيبا وترهيبا وبسوء أو بحسن نية!

‏اختراق الأمة المحمدية وضربها وتحطيمها من الداخل بأقل الخسائر، دفع المراكز البحثية لترتيب الأولويات بتقسيم المسلمين لفئات: خطرة، أقل خطرا، لا خطيرة، حليفة.

هذا التقسيم سمح بتركيز الجهد على الأخطر فالأقل خطرا فكان الأصوليون هم الأخطر تلاهم التقليديون بينما اعتبر الحداثيون حلفاء.

عندما يتحدثون عن الأصولية فهم يقصدون كل من تمسك بحرفية النصوص من القرآن والسنة وعمل على تطبيقها أو عدم المساومة عليها سواء كان فردا أو جماعة!

التقليديون: كل من يقبل بالديمقراطية والوطنية والتعددية ولديه طموحات سلطة أو مال.

الحداثيون: أتباع الطرق الصوفية والليبراليون والعلمانيون.

‏تقسيم المسلمين لفئات عدة سمح بعملية الفرز وبالتالي استقطاب كل من يرون لديه طموحا للسلطة.

من الأمثلة الحية على ذلك أفغانستان، العراق، سورية حيث جرى تصنيف القوى الموجودة على الأرض بين إرهابية متطرفة وأخرى معتدلة، فأنشئت الصحوات وشكلت التكتلات وبدعم مالي يكاد لا يذكر مقارنة بالمهمة!

‏في الحالة السورية: جرت عملية استقطاب الفصائل والجماعات والأفراد بما فيها النصرة على مستويات عدة بدأت مع المجالس العسكرية وتأطير الفصائل لأجل الحصول على الدعم

لتبدأ الفصائل بالتناحر والتسابق على إثبات وجودها والحصول على حصتها، لكنه توقف بعد وقت قصير لتظهر غرف عمليات الموك والموم.

مع ظهور غرفتي عمليات الموك جنوبا والموم شمالا كان واضحا أن مرحلة جديدة قد بدأت ملامحها بالتبلور عنوانها العريض: “الحرب على الإرهاب”

هذا يعني أن نظام الأسد ما عاد هو الهدف بل جزء من مخطط تصفية الثورة ووقف المد الجهادي خاصة وأن بعض الحدود قد تهاوت، ليصبح الإستقطاب على أشده!

‏بدء مرحلة الإستقطاب دفع بعض المراكز البحثية والشخصيات الأمريكية مثل مهندس الصحوات بترايوس للتوصية باستقطاب المجموعات المعتدلة داخل النصرة أو تلك التي انضمت إليها لأسباب انتهازية شخصية أو لشح الدعم المقدم للفصائل، أما مهندس المعارضات فورد كان له رأي آخر تمثل باستقطاب حركة أحرار الشام.

‏توصيات بترايوس وفورد وجدت صداها فقد كانت الأحرار مرتبطة بالأمريكيين أما النصرة فتحصل على حصة الأسد من الموك والموم

بقية الفصائل كانت أيضا مستقطبة فمثلا جيش الإسلام يحصل على دعم هائل من حمشو النظام وتجار دمشق والسعودية والإمارات، بينما تتبع فصائل حوران والغوطة وصولا لحمص للموك!

‏إستقطاب الفصائل سبقه دراسات وتحقيقات ومقابلات قامت بها جهات عدة وصولا لاختيار الأشخاص المتحمسين لتلقي الأوامر وتنفيذها بحذافيرها.

لاحقا انصب الإهتمام على خلق تكتلات كبرى وتصفية الرافضين للمخطط.

نفذ المهمة في حوران فصلئل الموك وعلى رأسها شباب السنة وفي ريف دمشق جيش الإسلام وشمالا النصرة والأحرار.

‏مخطط تصفية الرافضين لحرف بوصلة الفصائل عن هدف إسقاط النظام اقتضى شرعنة الحرب عليهم فكانت تهمة الإرهاب ومبايعة تنظيم الدولة الإسلامية.

من الأمثلة: جند الأقصى رفض الإنخراط في الحرب على الإرهاب فحورب وكذلك شهداء اليرموك في حوران إضافة لفصائل عملت بجهد وتمويل ذاتي متواضع مثل فصائل بصرى الشام وغيرها.

‏لن ننسى الجهد الهائل الذي بذلناه مع الشرفاء لتحرير بصرى الشام الذي ما كان ليتحقق لولا فضل الله ثم دخول انغماسيي حركة المثنى الإسلامية على الخط.

هذا الدخول لم يعجب صناع القرار فأمروا أحمد العودة بطردهم بعد التحرير مباشرة ما أدى لمشادة وصفعه في معقله فأوعزوا لبشار الزعبي التدخل لحمايته.

‏لم يطل الأمر بخائن حوران فعاد للبلطجة، فثار عليه شباب بصرى وحاصروه وحيدا في أحد الأبنية فتوسل إليهم نازلا على حكم القضاء.

مجددا تدخل بشار الزعبي مع بعض الفصائل ودار العدل التي تحفظت عليه بانتظار الحكم.

أمرت الموك بعض فصائلها فغدرت ودخلت بصرى واغتالت أحد خيرة القادة من قادة الانقلاب وأعادت الخائن فصمت الجميع.

‏يكفي أن نعلم أن الموك نصبت خائن حوران وصيا على فصائل شرق حوران وكثير من فصائلها فتولى توزيع السلاح والمال حتى على النصرة.

دار العدل نفسها كانت تتلقى رواتبها من خالد المحاميد نسيب العودة وذنب الصهيوني محمد دحلان.

الغدر بأهل بصرى الشام وإعادة الخائن لم يكلف سوى نصف مليون دولار.

‏ما حدث في حوران مثال مصغر على ما حدث في كل المحرر ولا أستثني بقعة مع فارق أن عمليات الإستنزاف لم تتوقف يوما ولم يستطع نظام الأسد أن يستقر أو يفرض سيطرته.

وادي بردى، الغوطة، حمص، حماة، حلب، ريف إدلب وباقي المناطق جميعها سقطت تسليما لا حربا، لهذا كان لا بد من مدلسين يجملون الخيانة.

‏عملية إستقطاب فصائل المعارضة وسلب قرارها وإعادة هيكلتها وجعلها أداة طيعة تخدم مشاريع خارجية وباسم الثورة كان الهدف الأسمى الذي عملت عليه منظومة النظام الدولي.

هو هدف ما كان ليتحقق لولا تهيئة الأرضية المناسبة له إعلاميا وسياسيا ودينيا.

الفساد وضعف العقيدة كانا أهم أدوات الإستقطاب!

‏عند الحديث عن الفساد وضعف العقيدة في الشام يمكننا القول أن نظام الأب والإبن قد نفذ المهمة على أكمل وجه

لقد جعلوا من الفساد عقيدة بينما فرغت العقيدة من أركانها واختزلت بطقوس ومناسبات وبدع ما أنزل الله بها من سلطان.

كانت المهمة إقناع الناس أن من زرع هذا النظام ورعاه هو صديق الثورة.

‏عملية إستقطاب الفصائل المسلحة ما كانت لتنجح دون وجود أدوات سياسية ودينية وإعلامية، إذ كيف لفصيل ما أن يوقف معاركه ضد النظام ويتحول لقتال فصائل أخرى ومنعها من فتح جبهات وتحقيق انتصارات سريعة وساحقة؟

لقد كانت الحاجة ماسة لاستقطال وتجنيد كل من يمتلك القدرة على التدليس والكذب باسم الدين والثورة.

‏ولأن ضعف العقيدة والفساد كان مستشريا فقد وفر على صناع القرار عناء البحث والتنقيب عمن ينفذ أجندتهم، فكل ما احتاجوا إليه، هو اختيار الأكثر وضاعة وأشد سفالة فالهدف حرف البوصلة وشيطنة كل صادق.

كان هناك جيش من الفاسدين يعرض خدماته مقابل مال أو سلطة أو شهرة، جمعوهم وأسسوا لهم هيئات ومجالس ومراكز ثورية.

‏تنوعت أنشطة الإسترزاق بين ديني وسياسي وبحثي وإعلامي فطفقت تتفنن بالتسويف وتجميل القبح وتبرير الخيانة، فكذبوا الصادق ولمعوا الكاذب، شيطنوا الجهاد وزينوا الخيانة والعمالة.

كان التكالب عظيما سلاحه الحرب على الإرهاب بهدف تصفية الصادق وتكميم فم المعارض، وحصار وتحريض وشيطنة ودسائس!

‏لقد عمل صناع القرار على جعل المراكز البحثية التابعة لهم رأس حربة فكري في حربهم علينا، فزودوها بأدوات إعلامية (مراكز بحث ودراسات محلية، محطات متلفزة، مواقع، صحف)

كانت مهمة المراكز المحلية تبني سياسات المراكز العالمية الأم وترويج أفكارها، فوظفوا الأقلوي والعلماني وضعيف العقيدة من بني جلدتنا.

التضليل كان محور العمل فمثلا:

استبدلت كلمة “الحرب” على الإرهاب بكلمة “مكافحة”، فكلمة حرب تستفز مشاعر المسلمين.

استبدلت كلمة مجاهد بإرهابي ومجرم، فالجهاد مقدس لهذا توجب شيطنة المجاهد لتبرير الحرب على الجهاد، فحتى الخوذ البيضاء دعشنوها.

لقد عملوا على إظهار أخطاء المجاهد وتضخيمها وترديدها وتصويره عدوا للناس!

‏لو نظرنا حولنا فسنجد عشرات مراكز الدراسات الوهمية أو المؤدلجة فكريا والمحطات التلفزيونية والإذاعية والمواقع ودكاكين الإرتزاق والتشبيح، بعضها يتخذ خطأ إسلاميا معتدلا وبعضها يدعي العروبة والمعارضة والثورية.

الحقيقة: معظم المراكز البحثية العربية يعمل على شيطنة الإسلام والإلتزام والجهاد ويروج للخنوع وللإستسلام.

‏عندما نتحدث عن وسيلة بحثية أو إعلامية فمن الطبيعي والمنطقي أن تسمي الأشياء بأسمائها وتتناول الخبر والمعلومة بمهنية، لكنها ليست كذلك.

من الأمثلة: المهمة أنها وعند الحديث عن جماعات جهادية يجب أن يكون الخطاب بازدراء واضافة عبارات من قبيل “إرهابية مجرمة” وهكذا.

ترديد هكذا عبارات هدف لترسيخ هذا المفهوم في عقول الناس وتحويله لواقع!

‏دور هذه الوسائل التخريبي لا يقتصر على التزوير بل تفرغ لشيطنة من يفضح عوارهم أو حتى يتناول الخبر والتحليل بصدق ووجهة نظر محايدة حتى وإن لم ينتمي لأي حزب أو تيار أو جماعة، فمجرد نشر أخبار حول الجماعات وعملياتها يعتبر خطرا داهما يهدد بنسف جهودهم.

وهذا تحديدا ما تعرضت له شخصيا مع كثيرين غيري على مدى سنين حتى لمجرد نقل خبر فالتهم جاهزة عدا عن التحريض وترهيب الناس وتخويفهم.

‏صحيح أن عدونا قوي وهجمته عنيفة معقدة مكمن خطرها باستخدامنا كأدوات لحربهم علينا إلا أن الحل بسيط بقدر ما هو صعب.

كل ما نحتاجه هو تحكيم كتاب الله وسنة نبيه في كل ما استشكل علينا وهذا لا يكون إلا بالتفقه في الدين لا أن نقول هذا ما وجدنا عليه آباءنا بل هذا ما جاء به القرآن وسنة نبينا.

‏ما سبق من خطط وبحوث كان لها هدف واحد هو كيف نسيطر ونفني أمة تمرض ولا تموت وتكبو لكنها تنهض سريعا، تملك كل مقومات السيادة والقوة والظهور على غيرها من الأمم

المختصر:
حرب اعلامية شاملة وجهود تضليل جبارة وعدم استفزاز مباشر للأمة خشية توحدها دفاعا عن عقيدتها، واستخدام المتاح من الأدوات المحلية الرخيصة الفاسدة بهدف تقليل الخسائر، إضافة لشيطنة ومحاربة أي محاولة مقاومة أو نهوض حقيقي.

شارك عبر

كاتب وباحث سياسي سوري, منافح عن عقيدته غيور على أمته فخور بعروبته, من أوائل الذين إنخرطوا في العمل الثوري ضد نظام الأسد, شاركت في تأسيس العديد من الهيئات والإتحادات الثورية السورية, كتبت للعديد من المواقع والصحف السورية والعربية, كما انني شاركت بعشرات المداخلات التلفزيونية والإذاعية على الجزيرة وغيرها من المحطات التلفزيونية والإذاعية.

جميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة بصرى الشام الإعلامية
4
0
أضف تعليقx
()
x