حديث الدعاء للميت، ومعنى؛ اللهم أبدله زوجا خيرا من زوجه!

صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى جِنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِن دُعَائِهِ وَهو يقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ. قالَ: حتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذلكَ المَيِّتَ.
الراوي: عوف بن مالك الأشجعي
المحدث: مسلم
المصدر: صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 963
خلاصة حكم المحدث: صحيح

المقصودُ مِن الصَّلاةِ على الميِّتِ الدُّعاءُ والاستغفارُ له، وقدْ ورَدَت أدعيةٌ مُتعدِّدةٌ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تُقالُ في صَلاةِ الجنازةِ، والأفضلُ أنْ يَدعُوَ المُصلِّي بهذه الأدعيةِ الواردةِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وإنْ دَعا بغيرِها فلا حرَجَ عليه، ويكونُ الدُّعاءُ للميِّتِ بعدَ التَّكبيرةِ الثَّالثةِ، ويَدْعو سِرًّا بأحسَنِ ما يَحضُرُه، ولكنْ عليه أنْ يُخلِصَ الدُّعاءَ للميِّتِ.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عوْفُ بنُ مالكٍ الأشجعيُّ رَضِي اللهُ عنه أنَّه حضَرَ صَلاةَ جنازةٍ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وكان مِن دُعائهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الَّذي حَفِظَه عوْفٌ رَضِي اللهُ عنه:

«اللَّهمَّ اغفِرْ لَه»
وذلك بمَحوِ السَّيِّئاتِ والذُّنوبِ،

«وارحَمْه»
بقَبولِ الطَّاعاتِ،

«وعافِه»
ادْفَعْ عنه المَكروهاتِ، وسلِّمْه منَ العَذابِ

«واعفُ عنهُ»
عمَّا وقَعَ منه مِن ذُنوبٍ وتَقصيرٍ في الطَّاعاتِ

«وأَكرِمْ نُزُلَه»
والنُّزُلُ في الأصلِ طَعامُ الضَّيفِ الَّذي يُهيَّأُ له، والمرادُ هنا ما يُعطِيه اللهُ ويُكرِمُ به عبْدَه عندَ لِقائهِ

«ووَسِّع مُدْخلَه»
وَسِّع مَوضعَ دُخولِه الَّذي يَدخُلُ فيه -وهوَ قبرُه- فلا يُضيَّقُ عليه، وهو مِن نَعيمِ المؤمنِ في القبرِ؛ وذلك أنَّ القبرَ إمَّا أنْ يُوسَّعَ لصاحبِه، وإمَّا أنْ يُضيَّقَ على صاحبِه

«واغسِلْه بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ»
البَردُ: حَبُّ الثَّلجِ منَ الغَمامِ النَّازلِ مِن السَّماءِ، والمعنى: طَهِّرْه منَ الذُّنوبِ والمَعاصي بها، كَما أنَّ هَذه الأَشياءَ أَنواعُ المُطهِّراتِ منَ الوَسخِ والدَّنسِ، وجمَعَ بيْنها للمُبالَغةِ، أي: طَهِّرْه مِن الذُّنوبِ بأنواعِ المغفرةِ، وذَكَرَ الثَّلجَ والبَرَدَ؛ لأنَّهما بارِدانِ، وذَكَر الماءَ؛ لأنَّ بهِ النَّظافةَ، والذُّنوبُ عُقوبتُها حارَّةٌ، فناسَبَ أنْ يَقْرِنَ معَ الماءِ الثَّلجَ، فيَحصُلُ بالماءِ التَّنظيفُ، ويَحصُلُ بالثَّلجِ والبَرَدِ التَّبريدُ.

«ونَقِّهِ منَ الخَطايا»
وهذا دُعاءٌ بالتَّنقيةِ بمَعنى التَّطهيرِ مِن مَعاصِيه، كَما يُنظَّفُ الثَّوبُ الأَبيضُ منَ الوَسخِ، وهوَ تَشبيهٌ للمَعقولِ بالمَحسوسِ، وهوَ تَأكيدٌ لِمَا قَبْلَه أَرادَ بهِ المُبالغةَ في التَّطهيرِ منَ الخَطايا والذُّنوبِ

«وأَبْدِلْه دارًا خَيرًا مِن دارِه»
عَوِّضْه وأَعطِه منَ القُصورِ أو مِن سَعةِ القُبورِ ما هوَ خيرٌ مِن دارِه في الدُّنيا الفانِيَةِ

وأبْدِلْه «أَهلًا خيرًا مِن أَهلِه»
الَّذين همْ ذَوُوه، كأُمِّه وخالتِه وبَناتِه، وأَبيه وابنِه، وما أَشبهَ ذلكَ، ممَّا كان له مِن قَراباتِ الدُّنيا، ولا تَدخُلُ الزَّوجةُ فيهم؛ لأنَّه قدْ خصَّها بالذِّكرِ فيما بعْدُ، وقيل: الأهلُ هنا عبارةٌ عن الخدَمِ

«وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ»
أَعطِه زَوجةً منَ الحُورِ العينِ، أو مِن نِساءِ الدُّنيا في الجَنَّةِ، وقيل: المرادُ بالإبدالِ في الأهلِ والزَّوجةِ إبدالُ الأوصافِ لا الذَّواتِ، سواء كان المصلى عليه رجلا أم امرأة.

وهناك إشكال؛ لأنه إن كان المصلى عليه رجلا، وقلنا: (أبدله زوجا خيرا من زوجه)، فهذا يقتضي أن الحور خير من نساء الدنيا، وإن كان امرأة ، فإننا نسأل الله أن يفرق بينها وبين زوجها ، ويبدلها خيرا منه. فهذان إشكالان ؟
أما الجواب عن الأول: (أبدله زوجا خيرا من زوجه)، فليس فيه دلالة صريحة على أن الحور خير من نساء الدنيا؛ لأنه قد يكون المراد خيرا من زوجه في الأخلاق، لا في الخيرية عند الله عز وجل.

وبهذا الجواب يتضح الجواب عن الإشكال الثاني، فنقول: إن خيرية الزوج هنا ليست خيرية في العين، بل خيرية في الوصف، وهذا يتضمن أن يجمع الله بينهما في الجنة؛ لأن أهل الجنة ينزع الله ما في صدورهم من غل، ويبقون على أصفى ما يكون ، والتبديل كما يكون بالعين يكون بالصفة، ومنه قوله تعالى : (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) إبراهيم: 48 ، فالأرض هي الأرض بعينها ، لكنها اختلفت ، وكذلك السموات “.

«وأَدخِلْه الجنَّةَ»
وهو دُعاءٌ بدُخولِه الجنَّةَ ابتداءً مِن غيرِ تَعذيبٍ سابقٍ

«وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ»
بعْدَ أنْ يَدخُلَه، أَوْ قال: «أعِذْه مِن عَذَابِ النَّارِ» في الآخرةِ.

وعقَّب عَوفُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّه بعْدَ سَماعِه هذا الدُّعاءَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، تَمنَّى أنْ يكونَ هو ذلكَ الميِّتَ؛ لِما في هذا الدُّعاءِ مِن عَظيمِ الأجرِ والمغفرةِ لصحابِه، ولتَحصيلِ ثَمرةِ دُعائهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؛ فصَلاةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ودُعاؤه أرْجى في القَبولِ والتَّحقُّقِ مِن غيرِه.
وفي الحَديثِ: الدُّعاءُ في صَلاةِ الجنازةِ، وهو مُعظَمُ مَقصودِها. وفيه: إثباتُ عَذابِ القبر.

تنبيه: الدعاء (وزوجا خيراً من زوجه) لا يقال عند الدفن، إنما يقال: في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثالثة.

شارك عبر

مجموعة من المحررين من جانب إدارة محتوى بصرى الشام.

جميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة بصرى الشام الإعلامية
0
أضف تعليقx
()
x