السائر الحزين

أنت لست في عمرٍ التكليف، تسير وقد أغرقتك الهموم والمصائب،  تسير بائساً مغتماً،  حزيناً مكباً على وجهك، قد بلغ منك الجوع والظمأ ما الله يعلم، قد طُمِرت بالتعب كما امتلأت الأرض من الوحل والقذارة. أنت في وسط وادٍ من الألم، في صورةٍ مصغرة عن الويل؛ لكنه صقيع. فيك من الأسى ما لم تقدر على حمله الجبال، بيتك خمسةٌ من الأقمشة المخروقة، تحيط بك من جهاتك الأربع، وخامسها حاجزٌ بينك وبين السماء؛ فلا أنت ترى نجومها، ولا أنت مدروءٌ عنك جليدها. يكتبون في السجلات عنك:  لاجئ فقير، قد يُتِّم وهُجِّر، وقد هرم في خضم ذلك قرناً. ترجوا منهم يد العون، فيجمعون لك الأموال والأغذية والأدوية، ثم يعطونك منها عُشر عشرها. يمنون عليك بها، ثم يلتقطوا معك صورة للذكرى وهم يساعدونك بسلةٍ غذائيةٍ لا تكاد تكفي حيواناً ليومٍ واحدٍ، حتى تكفي إنساناً -إن كنت أصلاً كما هم يرونك-. ثم يأتوا لك بملبسٍ بالٍ مهترئٍ، ممزقٍ مرقعٍ لا يحميك من هواء الربيع الناعم، فضلاً عن أن يحميك من زمهرير الشتاء.

ثم يأتوا بعد حينٍ.. يكرمونك بقطعةٍ من الشوكولاتة، أو دمية معادٍ تدويرها أملاً بأن ينالوا منك بابتسامة على مضض، وقد يحدث أن تفرح بها -فأنت لا تعدو كونك طفلاً بريئاً-، فتبتسم، بعد أن أمضيت جل عمرك عبوساً مشتتاً، فيلتقطون لك صورةً أخرى، ويعنونون عليها بالخط العريض: “ما أقبح الفقر، وما أجمل الفقراء.” ومن ثم يستشهدوا بمقولة لعلي -رضي الله عنه-: “لو كان الفقر رجلاً لقتلته.” ..الخ
ثم يذهبون، وقد أفضوا وأحسنوا بما قدموا من أعمال خيرة تشفع لهم عند ربهم (بزعمهم)، فيذهبوا ويجلسوا خلف مكاتبهم، أمام وسائل الإعلام، متحدثين متباهين، ببدلات متأنقة زاهية، وعطور فواحة مذهلة، فينددون ويهاجمون تجار الحرب -وهم من هم: تجار تبِعات الحرب-، وينادون بفضل التبرع والصدقات، وعِظم جزاء من يزكي أمواله للفقراء والمساكين والعاملين عليها؛ في سبيل الله.
وفي آن الوقت.. ينشروا صورتك في حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، فيحصدون منها: مئات من إعادات التغريد، وآلافٍ مؤلَّفة من الإعجابات، وتصبح (ترند)! تخيل معاناتك وشقاوتك؛ لا تعدوا كونها ترند عند البعض!

تأتي وتسألهم، بعد أن رأيت تصنعهم وتمثيلهم؛ الذي لربما تفوقوا به على نجوم هوليوود وبولييوود: كل هذه التبرعات التي هي بالملايين، أين تذهب؟ أتضيع في الطريق؟ أم أنكم تستقطعون جزءً منها؟ وهل يحق لكم أخذها؟ فيجيبونك بكل ثبات وكبرياء وعنفوان: نحن من العاملون عليها.

شارك عبر
جميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة بصرى الشام الإعلامية
1
0
أضف تعليقx
()
x