في رحاب حديث نبوي
عن أم المؤمنين عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى). فقلت: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33] أن ذلك تاماً قال: (إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحا طيبة فيتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم). رواه مسلم.
في هذا الحَديثِ يُخبرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّه لا يَذهبُ اللَّيلُ والنَّهارُ حتَّى تُعبدَ اللَّاتُ والعُزى. فقالتْ أم المؤمنين عائشَةُ: يا رسولَ اللهِ، إنْ كنتُ لأَظنُّ حينَ أَنزلَ اللهُ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33، الصف: 9]، أنَّ ذلكَ تامٌّ، فعَلِمْتُ مِن مَفهومِ الآيةِ أنَّ ملَّةَ الإِسلامِ ظاهرةٌ على الأَديانِ كلِّها، غالبةٌ عَليها غيرُ مَغلوبةٍ؛ فكيفَ تُعبَدُ اللَّاتُ وَالعُزَّى؟!
فوضَّحَ لَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ذلكَ فقال: إنَّه سَيكونُ مِن ذلكَ ما شاءَ اللهُ, يعني: إنَّه يَكونُ مِن ذلكَ الظُّهورِ المَوعودِ ما شاءَ اللهُ، ثُمَّ يَبعثُ اللهُ رِيحًا طَيِّبةً، فيُتوفَّى كلُّ مَن في قَلبِه مِثقالُ حبَّةِ خَردلٍ مِن إِيمانٍ، ومُرادُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في هذا الحَديثِ بيانُ وقتِ ظُهورِ الشِّركِ بصِفةٍ عامَّةٍ بحَيثُ يَطغَى على التَّوحيدِ, ويُسيطِرُ على حامِلي لِواءِ التَّوحيدِ ويَستَأْصِلُهم، فذَكَرَ: أنَّ هذا يَحدثُ في أَواخرِ أَيَّامِ الدُّنيا، قبلَ انعِقادِ القيامةِ الكُبْرى، وبعدَ خُروجِ الرِّيحِ القابضَةِ لأَنفُسِ جميعِ المُؤمنينَ حتَّى لا تَبقى الطَّائفةُ المنْصُورةُ والنَّاجيةُ على ظَهرِ الأَرضِ، فيَبقَى مَن لا خيرَ فيهم فيَرجِعون إلى دِينِ آبائِهم، فَلا يَبقى بعدَ قَبضِ أَرواحِ المُؤمنينَ مَن في قَلبِه أقلُّ إِيمانٍ، فَلا يَبقى إلَّا شِرارُ النَّاسِ، فيَكونونَ على عِبادةِ الأَوثانِ؛ فهَذا هوَ الوقتُ الَّذي قال فيهِ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: لا يَذهبُ اللَّيلُ والنَّهارُ حتَّى تُعبدَ اللَّاتُ والعزَّى.
{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾
اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
مجموعة من المحررين من جانب إدارة محتوى بصرى الشام.