صناعة البطل!
إذا كانت فكرة البطل القائد الفذ راسخة لدينا نحن العرب، وكم من الجبناء والأغبياء والخونة وجدوا فرصتهم ومرتعهم الخصب في أوطاننا ليصبحوا قادة عظماء بل صانعي تاريخ ، فإنها لدى الشعوب الواعية أصبحت من القصص المخجلة والباعثة على الضحك.
في عام ١٩٦٧م أوصل مذيع صوت العرب عدد الطائرات الصهيونية التي أسقطتها الدفاعات الجوية المصرية إلى ألف طائرة، وهو عدد يفوق اكثر من ضعف ما يمتلكه العدو، ومع كل بيان يخرج المصريون إلى الشوارع بالزغاريد والرقص والدبكات، ووصل الأمر بأحمد سعيد أن حرر تل أبيب على يد الجيش المصري الباسل حتى رأى بعينه هزيمة الجيوش الثلاثة وخروج عبدالناصر كسيرا ذليلا معترفا بمسؤوليته عن الهزيمة… فما كان من الجماهير التي كانت في قمة الفرح ببلاغات أحمد سعيد إلا أن أجهشت بالبكاء، وطالبت الزعيم بالعدول عن الاستقالة لأنه وحده القادر على العبور بهم إلى ضفة النصر والأمان والكرامة!! وفي سوريا أخفقت كل محاولات الشرفاء في محاكمة وزير الدفاع الذي سلم هضبة الجولان بالبلاغ ٦٦ وفاء لما تعهد به في مكتب طومسون بلندن وبحضور موشي دايان فكافأته إسرائيل برئاسة سورية.
وحقق الملك حسين طموح وزير دفاعه الجنرال الانكليزي كلوب باشا في إعادة الضفة الغربية لإسرائيل بعد عشرين سنة استكملت بها قوتها في احتلالها، وما تنبه أحد أن ما قام به كلوب باشا لم يكن سوى منع مشروع أمين الحسيني في إقامة دولة فلسطينية على خط التقسيم والحصول على اعتراف بها من الأمم المتحدة، ليصبح الصراع بين دولتين يحدد التاريخ مصيرهما، وإنما أصبح عمله وضباطه الإنكليز في المحافظة على الضفة الغربية، ومنع اليهود من التقدم نحوها بأمر من بريطانيا أمرا عظيما بل هو النصر الوحيد على اليهود في حرب ١٩٤٨م فكان كلوب باشا المحرر الوحيد والبطل المخلص للعرب أكثر من إخلاص لورنس العرب.
فهل تصح موازنة هذا الحدث بكذبة نيكسون في قضية وترغيت الشهيرة، واستقالته من رئاسة أمريكا دون أن يجد أحدا يشيعه عند باب المغادرة مشيعا بكذبته… أم أنها تصلح مفارقة بين وعيين لشعبين؟
مضت عشرون سنة حتى اكتشف الكويتيون أن ماجرى لهم كان فخا محكما شارك به أحد رموزهم الذي لبس ثوب المحرر فوق ثوب الضالع في دماء الأبرياء وتدمير البلاد وتشريد أهلها وكان الأمير الطيب المحب لبلده بعيدا كل البعد عن هذا الفخ، مثلما كان قادة دول الخليج العربي في حالة ذهول مما يجري حولهم وأنهم آخر من يعلم؟
ولكن كم سنة ستمر حتى يكتشف الشعب الأوكراني أن رئيسه الشاب الممثل الكوميدي الممتلىء حيوية وخطابة وتصريحات هو ممثل في فن آخر، وضالع في استدراج بوتين إلى أوكرانيا، وأن هزيمة روسيا وإعادتها إلى الحظيرة الأمريكية سيكون ثمنها دماء الأبرياء الأوكرانين وتشريدهم وتدمير وطنهم، وأن صناعة بطل يهودي في حدث عالمي بحجم هذه الحرب سيجدد للاعبين الكبار في الساحة الدولية أمورا كثيرة بدأت الأكاذيب الكبرى السابقة تفقد بريقها وجاذبيتها وقدرتها على التأثير في الآخرين.
عندما اكتشف الكويتيون أن هناك من شارك في نسج الفخ لصدام حسين، لإنهاء العراق وتحقيق مخطط جديد للأمة كان قد حال دون مطالبه في كشف الحقيقة ومحاكمة الضالعين ذلك الكم الهائل من الحقد الذي نشأ بين الشعبين الشقيقين المتجاورين، فما عاد أحدهم يرى إلا المآسي التي دفع لها ثمنا باهظا من دمائه وحياته ، ولا رغبة له في مناقشة الكشف عمن سبب له كل هذه المآسي، فحسبه ما رآه وعاشه في حينها، ثم حسبه ما يعيشه اليوم من قلب الحقائق، وتزييف كل شيء وانتشار أساليب التضليل الإعلامي.
فهل سيكون للشعب الأوكراني موقف آخر أم أنه سيغرق في حقد أنتجته الحرب ليعيش على كراهة الروس، ويجدد كل سنة آلامه ومصائبه، ويقيم نصبا تذكاريا يدور حول ذكراه كل عام، ويترك لجيل قادم لم يكتوِ بنار الحرب، ولم يتعرض للتضليل، ليكشف حقيقة ماجرى، وأن وطنه دفع ثمن خلاف أمريكا وروسيا من دماء أبنائه في حرب لا ناقة له بها ولاجمل؟ هذا متروك للأيام.