من إلي كوهين إلى باترك سيل إلى حافظ أسد؛ ملحوظات على الهامش


لست بصدد تتبع الجهد الفرنسي الاستعماري ، فربما أغيب عن الوعي عند الحديث عن ملحوظات تفتح النافذة على البعيد وعلى فيض الحزن والألم حتى قلتُ : لست هنا وإن كنت تراني هنا … لكن القلم يضع خطا مستقيما تحت ملحوظة : من كوهين إلى باترك سيل إلى حافظ أسد.

ولست متهما عصرا يعود إلى 1850م ، ولا قبله، ولابعده في تتبع هذا الجهد الفرنسي ، ولا أنتقص عقل أحد ولانباهة آخر ، ولا أنحى باللائمة على شعب فاضت عاطفته حتى غطت عقله الجمعي في انقياده وراء الوهم الذي يجعله أكثر من حقيقة فقدانُ الوعي، وانعدامُ التجربة السياسية الجمعية.


كوهين : باكورة الغرس الصهيوني الغربي ، وهنا أحب التأكيد أن كوهين ليس جاسوسا خاصا بالموساد ، ذلك الجهاز الأمني الحديث السن والضحل في تجربته والمتخذ من عار ( مسعدة ) اسما له ، وإنما هو جاسوس لحلف الناتو وتحديدا لثلاث دول هي: بريطانيا وأمريكا وفرنسا فضلا عن إسرائيل ، وبالدليل على ما قلناه: أن الذي أدخل كوهين هو العميل الأمريكي الشهير ماجد شيخ الأرض.


ولد إيلي كوهين عام 1924 لأب يهودي حلبي غادر حلب إلى مصر، وانتمى كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي بالإسكندرية عام 1944م أو ماتعرف بمنظمة الدكتور رزوق

غادر مصر عام 1955م والتحق بالوحدة 131 في إسرائيل وخضع لتدريب قصير ثم أرسل إلى بوينس آيرس باسم كامل ثابت أمين حيث تعرف هناك على عبداللطيف الخشن رئيس تحرير جريدة العالم العربي ، فزوده برسالة إلى ابنه كمال الخشن ، وتولى إدخاله إلى سوريا العميل للمخابرات الأمريكية ماجد شيخ الأرض عن طريق ضابط فاسد على الحدود اللبنانية السورية هو نصر الدين وائلي ، وقام كمال الخشن في مساعدته في إيجاد شقة في منطقة أبي رمانة ، كما عرفه على الملازم معزى زهر الدين ، وجورج سيف المذيع في البرنامج الموجه إلى المغتربين.

كانت مهمة كوهين في ظاهرها هي البحث عن ألويس برونر مساعد أيخمان النازي المختفي في دمشق ، وهي مهمة تهدف إلى التخفيف عنه في حال اعتقاله ، والتغطية على المهمة الأساسية، وهي مساعدة الغرب في إيصال حافظ أسد إلى السلطة واعتماده( أي كوهين ) صحفيا وضابط ارتباط ، لكن كوهين لم يكن على مستوى المهمة ، وينقصه التدريب وقوة التأثير فضلا عن أنه كان بخيلا جدا شأنه شأن كل يهودي ، فأخفق في مهمته وتم كشفه عام 1965م وألقى القبض عليه الرائد محمد وداد بشير، والعقيد أحمد سويداني رحمهما الله.

وفي نهاية كوهين تم اللقاء مع حافظ أسد في مكتب طومسون وكيل وزارة المستعمرات لشؤون الأمن القومي بلندن وبحضور موشي دايان حيث قُدمت له عدة نصائح لضرب أجنحة البعث ببعضها وتسليم الجولان في حال نشوب حرب ، فكان هذا في عام 1967م من خلال البلاغ 66 سيىء السمعة.


وبفشل كوهين وإعدامه عينت المخابرات البريطانية الضابط اليهودي باترك سيل متلافيةً ضعف المخابرات الصهيونية واعتمادها بعد القبض على كوهين على التهريج وتضخيمه وتشويه صورة القيادة السورية في محاولة بائسة للتغطية على فشلها.


باترك سيل : حلبي يهودي بريطاني ضابط في المخابرات البريطانية ( mi6 ) وصحفي ينتمي إلى جيل الصحفيين البريطانيين الذين عاشوا أحداث المنطقة العربية وخاصة سوريا ولبنان أمثال : ديفيد هيرست ، وروبرت فيسك ، والأخير تلقى أموالا طائلة لقاء عدة مقالات تهدف إلى تلميع صورة حافظ أسد على مدى سنوات.


ولد باتريك في 7 نيسان 1930م في بلفاست ، وتوفي في 11 نيسان 2014م ، وعرف بكتابين شهيرين ؛ الأسد والصراع على الشرق الأوسط ، والصراع على سوريا … بدأ مهمته الأمنية مراسلا لجريدة الأوبزرفر البريطانية والتلفزيون البريطاني ، وتعرف على حياة الشرق الأوسط من خلال عمله في لبنان ، ومهمة باترك هي مهمة كوهين التي أخفق في تحقيقها


المثير هنا أن والده اليهودي الحلبي عاد إلى حلب ضمن بعثة تبشيرية وبقي خمسة عشر عاما تزوج خلالها من علوية فأنجبت باترك … فأم باترك من الطائفة النصيرية …
والأكثر إثارة أن باترك سيل تزوج من رنا صباح القباني ابنة السفير السوري في أمريكا وطليقة الشاعر محمود درويش


عُرف باترك بذكائه وقوة شخصيته وسعة ثقافته ودبلوماسيته كصحفي أجرى مقابلات مع عدد من زعماء المنطقة، كما كان وكيلا لشخصيات مهمة ومنهم الموسيقار الشهير يهودي منوهين.

تولى باترك مهمة ضابط الارتباط بين المخابرات الدولية ممثلة بالمخابرات البريطانية، ورئيس النظام السوري حافظ أسد الذي أوصلته تلك الأجهزة بانقلاب عسكري سوغه باترك في كتاباته الملتوية : بضيق أفق البعث اليساري وإخفاقه في قيادة سوريا ليسوغ مصطلح (الحركة التصحيحة) وبهذا الجهد الأمني أخذت مهمة باترك في ظاهرها تلميع صورة حافظ أسد رغم حذره الشديد في نفي هذه التهمة عن نفسه بأسلوب الصحفي البارع ، ومهمة أمنية تستر عليها وحرص على ألا يذكرها أحد كضابط ارتباط بين المخابرات البريطانية وحافظ أسد.


تلقى باترك لقاء مهمته مبالغ طائلة كُشف منها ثلاث مئة ألف دولار فقط، أما التفاصيل فهي من حق المذكرات ووثائقها.

شارك عبر
جميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة بصرى الشام الإعلامية
2
0
أضف تعليقx
()
x