ولكلٍ وجهة هو موليها
وسيبقى الأحرارُ.. أحراراً، وسيظل العبيدُ.. عبيداً، وسيبقى الهَمَلُ.. هَمَلاً.
وسيستمر القطيع التائه الضائع، يتبع أجراس الراعي، لا يلوي على شيء.. ولا يدري إلى أين المسير؟!
وسيبقى المؤمنون الراسخون.. مؤمنين ثابتين، يقفون عند حدود الله، ويُخضعون عواطفهم، ومشاعرهم الجياشة لمراد الله عز وجل، دون زيادة أو نقصان.. ويطبقون أوامر الله تعالى بحذافيرها، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا سطوة جبار عنيد متغطرس.
وسيستمر صيصانُ وأفراخُ المسلمين.. صيصاناً وأفراخاً، يُغلِّبون أهواءهم على مُراد الله.. ويتبعون الهوى، ويُطيعون أحابيل الشيطان.. ويفسرون الدين على حسب مزاجهم.. وعلى حسب تعلقهم، وعبوديتهم لأوثان الوطنية، وأصنام القومية، وآلهة العلمانية، غير عابئين، ولا مبالين بغضب الله وسخطه عليهم، وغير حريصين على أن يكونوا مسلمين ملتزمين بحقيقة الإسلام، وغير مهتمين بالآخرة وأن تكون نهايتهم دخول الجنة.
مواصلة التعدي على خصائص الألوهية
وسيواصلون التعدي على خصائص الألوهية، فيمنحون وسام الشهادة، لمن أحبوه – ولو كان مشركاً – ويترحمون عليه، ويُدخلونه الجنة – لأنه قاوم الاحتلال، والاستبداد، والطغيان، ولو كان كافراً – ويُدخلون ذاك النار – ولو كان مجاهداً مؤمناً – على حسب هواهم، ومزاجهم، لأن الإعلام الصهيوني والصليبي يسميه إرهابياً.
ولو قلتَ لهذا الفصيل البشري الأخير، مليون أو مليار مرة، أن الترحم لا يجوز إلا على موتى المسلمين فقط – ولو كانوا فاسقين -.
لأن الله تعالى يقول: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣) ﴾ التوبة.
وهذا تفسير الطبري في هذه الآية العظيمة، التي تحمل أمراً فصلاً، قطعياً، وحكماً بائناً، باتاً، لا يقبل الطعن، ولا النقض، ولا الاستئناف.
(قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنبي محمدٍ ﷺ والذين آمنوا به- “أن يستغفروا”، يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين، ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم- “أولي قربى”، ذوي قرابة لهم- “من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم”، يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان، وتبين لهم أنهم من أهل النار، لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك، فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله. فإن قالوا: فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه وهو مشرك؟ فلم يكن استغفارُ إبراهيم لأبيه إلا لموعدة وعدها إياه. فلما تبين له وعلم أنه لله عدوٌّ، خلاه وتركه، وترك الاستغفار له، وآثر الله وأمرَه عليه، فتبرأ منه حين تبين له أمره).
(وقال بعضهم: نزلت في شأن أبي طالب عم النبي ﷺ، لأن النبي ﷺ أراد أن يستغفر له بعد موته، فنهاه الله عن ذلك.).
ومما يعزز هذا التفسير، ويدعمه، ويقويه، قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ﴾ المائدة 72.
لقالوا لك: بكل جهالةٍ، وعِمايةٍ، وسخريةٍ، واستهزاءٍ، وبلادة، وبلاهة!
أأنت تريد أن تحجز رحمة الله، ومغفرته عن خلقه؟! هذا أفضل من ألف أو مليون مسلم قاعد، ومؤيد للاحتلال.
ولا يدري المساكين أنهم يتخبطون خبط عشواء، ولا يعلمون أن الذي يؤيد الاحتلال، ويطيع الحكام الطغاة، ليس مسلماً. لأن طاعة الحكام في معصية الله هي: عبادة لهم. ومن يفعل ذلك فهو يشرك مع الله آلهة أخرى، وهذا هو الشرك الذي يُخرج صاحبه من ملة الإسلام، كما قال تعالى عن أهل الكتاب ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ (٣١) ﴾ التوبة.
ويقولون: إذا كان الله تعالى قد غفر لبغي من بغايا بني إسرائيل؛ لأنها سقت كلباً، ماءً.. ألا يغفر لشخص مات على قربان الدفاع عن الوطن، ومقاومة الاحتلال؟!
تحريم الله مغفرته لمن يُشرك به
نعم! إن الله يغفر لمن يشاء، كما يشاء.. ولكنه قدَّرَ، وحكم حكماً قطعياً، بائناً، جازماً، حاسماً، باتاً.. أنه يغفر جميع الذنوب – ولو كانت كزبد البحر – إلا الشرك بالله.
فما يُدري – هؤلاء الجهلة – أن هذه البغي لم تكن مشركة، بل كانت مؤمنة فاسقة؟!
لذلك أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قد غُفر لها، ولو كانت مشركة، لما تجرأ الرسول صلى الله عليه وسلم على التعدي على مقام الله تعالى، الذي حكم، بأنه لا يغفر لمن يشرك به، كما يظهر في الآيات التالية.
ثم ليس كل بني إسرائيل كانوا مشركين ( فيهم المؤمن والكافر ) والحديث لم يبين أنها مشركة أو مؤمنة..
ولكن بالتأكيد! لا يمكن أن يعارض الحديثُ، قولَ الله القاطع، البائن.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا (١١٦) ﴾ النساء.
﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٨٠) ﴾ التوبة.
﴿ وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤) ﴾ التوبة.
﴿ وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَا ٰهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةࣲ وَعَدَهَاۤ إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥۤ أَنَّهُۥ عَدُوࣱّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ﴾ [التوبة ١١٤.
ومع كل هذه الآيات البينات القاطعة الدلالة، فإن هؤلاء الصيصان، سيستمرون يقولون حسب هواهم الذي اتخذوه إلهاً لهم كما يقول الله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا (٤٤) ﴾ الفرقان.
ولو نصحتهم مليون مرة، لن ينتصحوا.. فقد خُتم على قلوبهم، كما قال الله تعالى: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾ البقرة 7.
فلا تأسَ عليهم، ولا تحزنْ.. إ نهم قومٌ يفرقون، وفي غيهم يعمهون.
﴿ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين ﴾ المائدة 26.
﴿ فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٦) ﴾ يس.
فو الله الذي لا إله سواه، لو اجتمع الجن والإنس كلهم، في صعيد واحد، ودعوا الله، بالرحمة والمغفرة للمشركين والمشركات، لن يرحمهم ولن يغفر لهم .. لأنه حكم حكماً نهائياً غير قابل للطعن، ولا للنقض، ولا للاستئناف.. أنه لن يغفر للكافرين.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٩١) ﴾ آل عمران.
وكذلك لن يكون كفاحه، ونضاله، ومقاومته للاحتلال أياً كان. سبباً للمغفرة، أو عدم الخلود في النار. ولكن في الوقت نفسه، لن يُضيع الله عمله، سيجزيه عليه في الدنيا كما يشاء. فهو العدل، والعادل، ولن يَتِرَ أحداً، عمله، وقد قرر وحكم، أن الجنة للمؤمنين، والنار للكافرين.
ولو أنفقوا أموالهم كلها على الجمعيات الخيرية، وماتوا على الكفر لن تنفعهم شيئاً.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) ﴾ الأنفال.
ولكن الخاسرين الخسارة الكبرى، هم أفراخ المسلمين الجهلة، الذين يظنون أنهم أرحم بالعبيد من رب العالمين!!! فيتعاطفون معهم، ويتباكون على موتهم، ويترحمون عليهم، وينسون أنهم سيُحشرون مع المشركين والمشركات، حسب الحديث المروي عن الضياء أبو قرصافة ( مَن أَحَبَّ قَوْمًا، حشره اللهُ في زُمْرَتِهِم ).