الإنتماء عند العرب عبر التاريخ

يُعرّف الإنتماء على أنه الإنتساب لجماعة معينة والإنخراط فيها ضمن رابط مشترك يجمع بين أفراد الجماعة، ولا يعيش الإنسان دون أن يكون له إنتماء معيّن وإلا فهو بلا مبدأ ولا يسعى لحق ولا باطل، وكل ما يراه هو مصلحته الشخصية فقط.
فالشخص قد ينتمي لدين معين أو عشيرة أو حزب أو مدينة أو غير ذلك، فيرى في هذه الجماعة العزوة والسند والملجئ وينحاز إليهم في المواقف المُهمة، فتعتصم الجماعة بأفرادها وتستقوي بهم.
وقد مرّ العرب عبر تاريخهم بثلاث إنتمائات طغت على الأجواء وسادت بينهم، فكانت الأولى: القبلية، وهي نتيجة لطبيعة العربي وطبيعة معيشته، وأما الثانية: الإسلام، وأنا الثالثة: القومية، وهي نتيجة إنكسار وتأثير غربي.
تخللت هذه الإنتماءات الثلاث روابط وإنتماءات جانبية، غير أن هذه الأبرز والأوسع على مرّ التاريخ من عهد الجاهلية إلى يومنا هذا.
-الإنتماء القبلي:
العشيرة والقبيلة، هي أول ما انتمت إليه العرب ففاخرت العرب بعشائرها وشيوخها وكتبت الأشعار وألّفت الدواوين ونافست العشائر بعضها البعض بالكرم والنخوة والشجاعة والحميّة، وتشكلت جزيرة العرب بديموغرافية عشائرية فسكنت كل عشيرة منطقة وأصبح لكل عشيرة فرسان وشيوخ وشعراء، فتم بناء نظام إجتماعي تسوده العشائرية، ولم تكن النخوة في قبائل ما قبل الإسلام للحق فقط، فقد تكون نخوتهم فيها من الظلم، لأن الأمر يتعلق بإحدى أبناء العشيرة، وكما قال الشاعر قريط بن أنيف:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم.. قاموا إليه زرافات ووحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم.. في النائبات على ما قال برهانا
-الإنتماء للإسلام:
ثم جاء الإسلام وبعث رسول الله صل الله عليه وسلم، فتغير مفهوم الإنتماء إلى العشيرة ليكون الإنتماء الأول في الإسلام هو ديني وللعقيدة، وجاءت عقيدة الولاء والبراء لتغيّر المفهوم السائد لدى العرب، الذي ورد على لسان الشاعر دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ:
ومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ
غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
ليُبنى النظام الإجتماعي الجديد على أساس عقدي، يرأسه خليفة المسلمين وبدستور هو القرآن والسنة وليكن للمسلمين من بعد ذلك الشأن العظيم، فحرروا البلاد من عبادة العبادة إلى عبادة رب العباد، وأنطلقوا فاتحين مجاهدين، فأسقطوا أقوى وأعظم ممالك الأرض في عهدهم(الفرس والروم) ويسودوا الأرض من الأندلس إلى الصين، يجمعهم في ذلك “لا إله الله محمد رسول الله” ولا أنتماء يعلوا على ذلك أو يعادله..
-القومية والجنسية:
بعد أن خسر المسلمين خلافتهم وإزاحت الخليفة عبدالحميد الثاني-رحمه الله-وبعد أن تمزقت أشلاء الأمة الإسلامية، سعى الغرب لضمان تقطيع أواصر القربى وجعل كل فئة تعيش في حدود ضيقة ولها جنسية لوحدها، وقد تم تشبيع الأجيال بعد الأجيال لتترك كل فئة تعاني لوحدها فهذه سوريا تعاني بمشاكلها ومصر المقهورة بأزماتها واليمن الجريحة، في تجسيد لسياسية “فرّق تسد”.
جاهلية بلباس عصري، نسمعها ونراها من قبل بعض أبناء الأمة الواحدة، فتجد تركي يعتقد بأن السوريين هم أقل شأنًا من الأتراك-كما صرّح أحدهم- وآخر يعتقد بأن بلده العربي وشباب بلده هم أفضل من الدولة العربية الأخرى وشبابها، وليصبح العربي لاجئ في بلاده العربية..
دول وأحزاب وجماعات وقوميات وأعراق وإنتمائات مختلفة، وقد قال تعالى: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ..سورة الروم، آية (32)
فعاش العرب بين جهالتين(العشيرة والقومية) توسطهما نور الإسلام، وعلى كل مسلم أن لا ينسى قوله تعالى: وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ.. سورة المؤمنون، آية (52)
وفي النهاية لا نُعمم الكلام على الجميع ونذّكر دائما بقول رسول الله صل الله عليه وسلم، بأن الخير في أمة الإسلام إلى يوم الدين، كما يبقى الإسلام والإنتماء لأمة محمد صل الله عليه وسلم دون غيرها حاضرًا في قلوب المؤمنين لا يضرّهم من خذلهم ولا من عاداهم
كاتب وباحث في التاريخ